الأمم المتحدة تناقش الآثار السلبية للتمويل الأخضر على حقوق الشعوب الأصلية

ضمن فعاليات الدورة الـ54 لمجلس حقوق الإنسان بجنيف

الأمم المتحدة تناقش الآثار السلبية للتمويل الأخضر على حقوق الشعوب الأصلية

استعرض المقرر الأممي الخاص المعني بحقوق الشعوب الأصلية، خوسيه فرانسيسكو كالي تزاي، تقريره حول التمويل الأخضر وحماية الشعوب الأصلية، ضمن فعاليات الدورة الـ54 لمجلس حقوق الإنسان المنعقدة خلال الفترة من 11 سبتمبر إلى 6 أكتوبر 2023، في جنيف.

وشدد كالي تزاي، على أن للتمويل الأخضر بعداً مهماً في مجال حقوق الإنسان، وأنه يمكن أن يكون لعمليات التمويل المرتبطة بغايات المناخ والتنوع البيولوجي، آثار سلبية شديدة على الشعوب الأصلية ما لم يتم تعريف حماية حقوق الإنسان الخاصة بها والمعترف بها دوليا بحسبانها حقوقا أساسية لتحقيق هذه الأهداف بنجاح.

ويتناول التقرير الذي جاء بتكليف من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، تحت عنوان "التمويل الأخضر- انتقال عادل لحماية حقوق الشعوب الأصلية"، الضمانات الاجتماعية والبيئية اللازمة لحماية حقوق الشعوب الأصلية.

وشدد المسؤول الأممي على أنه واصل خلال العام الماضي 2022، الاضطلاع بأعمال تقع في نطاق ولايته لدراسة يبل ووسائل تذليل العقبات القائمة التي تحول دون إعمال حقوق الشعوب الأصلية إعمالا تاما وفعالا، وتبادلها وتعزيزها.

وشدد التقرير على أنه ينبغي أن يتناول تحقيق "انتقال عادل" إلى الاقتصاد الأخضر، يشمل احترام حقوق الإنسان، التدخلات والضمانات اللازمة لحماية حقوق الشعوب الأصلية وسبل كسب عيشها عندما تتحول الاقتصادات إلى ممارسات التنمية المستدامة لمكافحة التغيرات المناخية وفقدان التنوع البيولوجي، لأن ذلك سيضمن ألّا يتحمل أكثر الأشخاص معاناة من الضرر البيئي تكاليف الانتقال.

وأكد المقرر الأممي أن الغرض من هذا التقرير ليس إدانة أو تثبيط تمويل المشاريع الخضراء واستراتيجيات السوق الأخضر، بل أن تتخذ الحكومات وغيرها من الجهات المالية الفاعلة جميع الاحتياطيات التي تضمن دعمها للانتقال الذي تمس الحاجة إليه إلى الاقتصاد الأخضر، وألا تؤدي الإجراءات المتعلقة بتغير المناخ إلى إدامة التجاوزات التي تعاني منها حاليا المشاريع الاستخراجية وغيرها من المشاريع المتصلة بالوقود الأحفوري.

ويهدف المقرر الخاص إلى تذكير الحكومات والجهات الفاعلة الأخرى الساعية إلى الانتقال بأن الشعوب الأصلية قد تكون مسرحا للعديد من المشاريع الخضراء والحلول القائمة على الطبيعة، سواء اعترفت الدولة بحقوقهم في الأراضي أم لم تعترف بها، ولذلك ينبغي بذل العناية الواجبة في مجال حقوق الإنسان منذ البداية، باتباع نهج قائم على حقوق الإنسان يعترف بحقوق هذه الشعوب في الأرض وتقرير المصير.

الشعوب الأصلية والتمويل الأخضر

أقرت الأطراف في المؤتمر السادس والعشرين للأطراف (كوب26) الذي عقد في 2021، بدور الشعوب الأصلية ومعارفها العلمية المهمة في تخفيف حدة أزمات تغير المناخ العالمي وفقدان التنوع البيولوجي، على الرغم من أنها تسهم مساهمة ضئيلة في انبعاثات غازات الدفيئة وتحتفظ ببعض أكبر مخازن الكربون داخل أراضيها.

ووثقت الولاية ومصادر عديدة أخرى توثيقا وفيا دورها في حماية البيئات المتنوعة بيولوجياً وفي الحفاظ على الغابات الصحية وتخفيف حدة تغير المناخ بفضل معارفها العلمية.

وتدعم الأدلة العلمية الحاجة إلى إشراك الشعوب الأصلية في تخطيط مشاريع التنمية الخضراء التي تؤثر في أراضيها، وأقر العلماء في الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ بأن دعم تقرير المصير للسكان الأصليين والاعتراف بحقوق الشعوب الأصلية ودعم تكيف السكان الأصليين القائم على المعرفة أمر بالغ الأهمية للحد من مخاطر تغير المناخ وتحقيق التكيف الفعال.

وأقر التقرير بإخفاق تمويل المناخ ومساعدات التنمية الرسمية الموجهة للقضايا المتعلقة بالمناخ حتى الآن في توجيه التمويل الكافي لدعم المبادرات التي تقودها الشعوب الأصلية وتعزيز الاعتراف بحقوقهم الجماعية في الأرض والحفاظ على نمط حياتهم الذي يتيح للطبيعة أن تزدهر ويوازن الأنشطة الباثة لانبعاثات الكربون في بقية العالم وحماية هذه الشعوب من التعدي والهجمات وغيرها من أعمال العنف من قبل أطراف ثالثة.

التعهدات الدولية

شهد المؤتمر السادس والعشرون للأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ تعهد الحكومات والمنظمات الخيرية بتقديم 1.7 مليار دولار لتعزيز حقوق الشعوب الأصلية في الحيازة والوصاية على الغابات الاستوائية، وبالمثل اعتُمد في ديسمبر 2022، إطار "كونمينغ- مونتريال" العالمي للتنوع البيولوجي، والذي يعترف صراحة بحقوق الشعوب الأصلية، بما في ذلك الطبيعة المميزة لأراضيها وأقاليمها ومواردها والحاجة إلى إدراج عملية اتخاذ القرارات من قبلها بشكل كامل وعادل لتنفيذ اتفاقية التنوع البيولوجي.

ومع ذلك، فإن الافتقار إلى آليات الشفافية والإبلاغ والرصد سيجعل من الصعب تقنين إمكانية الوفاء بهذه الالتزامات بدعم الشعوب الأصلية بموجب الاتفاقيتين.

وأقر التقرير بتحمل الدول المضيفة للشعوب الأصلية، سواء كانت دولا مقترضة أو شريكة في التمويل أو متلقية للمعونة الإنمائية، المسؤولية الرئيسية عن إنشاء آليات مؤسسية وأطر قانونية مناسبة لحماية حقوق الشعوب الأصلية في تطوير المشاريع الخضراء.

وتعد مؤسسات تمويل التنمية الدولية الجهات الفاعلة المالية التي خضعت لأكبر قدر من التدقيق بشأن تأثير مشاريعها في حقوق الإنسان، وحقوق الشعوب الأصلية على وجه الخصوص، ونتيجة لذلك وضعت في وقت مبكر، أطرا وسياسات داخلية للاستثمار المسؤول اجتماعيا وبيئيا، ومع ذلك لا تزال الحاجة قائمة لبذل جهود تحقيق مشاركة الشعوب الأصلية مشاركة أكبر في تصميم السياسات والمشاريع حتى يفهم الموظفون الأطر فهما جيدا وينفذونها تنفيذا فعلاً، بدعم مؤسسي على أعلى المستويات.

ويجب أن تضمن هذه الأطر ضمانات للشعوب الأصلية تقدم إرشادات ملموسة وقائمة على حقوق الإنسان للمؤسسات المالية وشركائها بشأن سبل إجراء تقييمات مستقلة للتأثير في حقوق الإنسان والبيئة وتنفيذ الموافقة الحرة والمسبقة والمستنيرة المستمرة طوال دورة المشروع وتعزيز مشاركة الشعوب الأصلية في المشروع وملكيتها له وتقاسم المنافع تقاسما يوافق عليه أصحاب الحقوق المتضررون.

البنك الدولي

على سبيل المثال، في ما يخص مؤسسات التمويل، شرع البنك الدولي في تنفيذ إطاره البيئي والاجتماعي في عام 2018، ليحل محل سياسته التشغيلية/ إجراءات البنك بشأن الشعوب الأصلية (OP/ BP 4.10)، ويؤكد الإطار الجديد مبادئ مثل بناء قدرات المقترضين وشفافية مشاركة أصحاب المصلحة بإجراء مشاورات مثمرة ومستمرة طوال دورة حياة المشروع.

ويعزز الإطار سياسة البنك القائمة حاليا بشأن الشعوب الأصلية بإدراج شرط الموافقة الحرة والمستنيرة في المشاريع التي تؤثر على أراضي هذه الشعوب أو مواردها الطبيعية، أو تراثها الثقافي، أو اشتراط إعادة التوطين القسري والحرص على أن تراعي آليات التظلم إتاحة سبل الانتصاف القضائية والآليات العرفية لتسوية المنازعات بين الشعوب الأصلية.

غير أن أصحاب المصلحة يرون أن ثمة أوجه قصور عديدة تشوب إطار البنك الدولي الجديد وأطر مؤسسات تمويل التنمية الدولية الأخرى التي تستند إليه، ومن بينها الإشارة إلى حقوق الإنسان بوصفها حقوقا طموحة، وليست ملزمة، وتفويض واجبات العناية الواجبة على البنك الدولي للمقترضين ومنحهم مسؤولية إجراء تقييمات أثر المشاريع البيئي والاجتماعي والمرونة الممنوحة للمقترضين والوسطاء الماليين لتطبيق القوانين واللوائح المحلية كمعايير للمشاريع بدلا من المعايير الدولية الأشد وأكثر حماية منها.

الإطار القانوني والمعايير الدولية

يتضمن إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية المعايير الدنيا لحقوق الإنسان بشأن حماية حقوق الشعوب الأصلية من أي أثر سلبي أو محتمل قد تتعرض له نتيجة لمشروع يموله مستثمرون وطنيون أو أجانب متعددو الأطراف، بما في ذلك مؤسسات تمويل التنمية الدولية.

ويؤكد الإعلان الحق في الموافقة الحرة والمسبقة والمستنيرة، بما في ذلك ما يتعلق باستخدام أراضي الشعوب الأصلية، ويجب على الدول أن تتيح جبر الضرر في الحالات التي لا تنفذ فيها الموافقة.

لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية

ومن جانبها، أعلنت لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في تعليقها العام رقم 26 لعام 2022، قائلة: "يجب على الدول تجنب تلك السياسات للتخفيف من تغير المناخ مثل الجهود المبذولة لعزل الكربون من خلال إعادة التحريج على نطاق واسع أو حماية الغابات الموجودة، ما يؤدي إلى أشكال مختلفة من الاستيلاء على الأراضي، ما يؤثر بشكل خاص على أراضي وأقاليم السكان الذين يعيشون في أوضاع هشة مثل الفلاحين أو الشعوب الأصلية".

منظمة العمل الدولية

توفر اتفاقية منظمة العمل الدولية بشأن الشعوب الأصلية والقبلية لعام 1989 (رقم 169) مزيدا من التوجيه من أجل الانتقال العادل للشعوب الأصلية، وينطبق الحق في المشاركة بوضوح على وضع وتنفيذ المشاريع المتعلقة بالطاقة النظيفة والانتقال إلى الاقتصاد الأخضر. 

وتتحمل الدول المسؤولية الرئيسية تجاه الشعوب الأصلية عن إعمال حقوقها، ومع ذلك فإن الجهات الفاعلة الخاصة، بما في ذلك مؤسسات تمويل التنمية الدولية، عليها أيضا واجبات ومسؤوليات لاحترام حقوق الشعوب الأصلية.

وتوفر المبادئ التوجيهية بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان إطارا لتدابير ملموسة لهذه الجهات الفاعلة، تتمحور حول 3 ركائز هي: الحماية والاحترام والانتصاف.

الحصول على التمويل المباشر

في أعقاب التعهد بتقديم 1.7 مليار دولار من قبل المانحين الثنائيين والممولين الخيريين في المؤتمر السادس والعشرين للأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ والخلوص إلى أن التمويل الدولي لا يصل بشكل فعال إلى الشعوب الأصلية مشاريعها الخاصة، ظهرت دراسات لتزويد المانحين والمستثمرين بالمبادئ والمعايير والآليات التي تجعل استثماراتهم الخضراء مستدامة بتقديم الدعم المالي للشعوب الأصلية من أجل تأمين حقوقها في الحيازة والوصاية على الغابات.

وفي المؤتمر السابع والعشرين للأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، تقدمت الشعوب الأصلية نفسها بمبادئ توجيهية للحصول المباشر على التمويل من أجل العمل المناخي وحفظ التنوع البيولوجي ومكافحة التصحر من أجل كوكب مستدام.

وتدعم هذه المبادرة إنشاء آلية تمويل خضراء عالمية مستقلة بقيادة الشعوب الأصلية لدعم التنسيق العالم والتضامن وتبادل الخبرات والمعارف وأعمال الضغط والدعوة للشعوب الأصلية من المناطق الاجتماعية والثقافية.

ويعتقد المقرر الخاص أن التمويل المباشر للشعوب الأصلية أمر بالغ الأهمية لضمان الانتقال العادل إلى اقتصاد أخضر يدعم الإجراءات التي تتخذها الشعوب الأصلية في مجال المناخ والتنوع البيولوجي بنفسها.

الاستنتاجات

خلص التقرير إلى أن التحول إلى التمويل الأخضر ضروري وعاجل، وهو إن تحقق باتباع نهج قائم على حقوق الإنسان فقد يكون مصدرا للفرص التي تتيح للشعوب الأصلية الحصول على تمويل للحفاظ على أراضيها ومعارفها وأساليب حياتها المتميزة وإيجاد فرص اقتصادية قد تساعدها على الحفاظ على هويتها الأصلية وتعزيزها.

بوسع التمويل الأخضر المتوافق مع حقوق الشعوب الأصلية أن يبث الأمل متجددا في بقاء الشعوب الأصلية ماديا وثقافيا، فضلا عن حماية مواردها المستدامة للحياة البيئية الطبيعية التي تعتمد عليها روحيا.

يتطلب التمويل الأخضر العادل أن تقوم الدول والجهات الفاعلة المالية الأخرى بتفكيك أوجه عدم التناسق القوي التي لا تزال تميز المعونة وتمويل التنمية وإشراك الشعوب الأصلية ولا سيما نساء الشعوب الأصلية، بصفتهم أصحاب مصلحة متساوين في عملية التمويل وتعزيز التعاون والتضامن الحقيقيين.

ينبغي للمستثمرين أن يبذلوا قصارى جهدهم من خلال المشاورات المستمرة لتكييف النهج الذي يتبعونه في التمويل ليكون ملائما ثقافيا للشعوب الأصلية.

التوصيات

وفي نهاية تقريره أوصى المقرر الأممي، كالي تزاي، بمجموعة واسعة من التوصيات منها على سبيل المثال لا الحصر:

- حماية الشعوب الأصلية من انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها مؤسسات الأعمال والجهات المالية الفاعلة داخل أراضيها.

- الاعتراف بحقوق الشعوب الأصلية واحترامها، على النحو المنصوص عليه في الصكوك الدولية لحقوق الإنسان، بما في ذلك إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية.

- ضمان حق الشعوب الأصلية في تقديم أو حجب موافقتها الحرة والمستنيرة والمسبقة على مبادرات التمويل الأخضر التي تؤثر على أراضيها وأقاليمها ومواردها.

- ضمان استفادة الشعوب الأصلية من مشاريع التمويل الأخضر بشكل مباشر ومنصف، وأن تتاح لهم إمكانية الحصول على فرص العمل والتدريب وبرامج بناء القدرات ومبادرات تنمية الأعمال التجارية المرتبطة بالمشاريع الخضراء.

- إنشاء آليات فعالة وسهلة المنال ومناسبة ثقافيا ومستقلة للشعوب الأصلية لالتماس العدالة والانتصاف في حالات انتهاكات حقوق الإنسان أو الأضرار البيئية الناجمة عن مشاريع التمويل الأخضر.

- إنشاء آليات للرصد والإبلاغ لتتبع آثار مشاريع التمويل الأخضر على حقوق الشعوب الأصلية، بما في ذلك إجراء مشاورات منتظمة مع مجتمعات السكان الأصليين المتضررة. 

- توفير التمويل اللازم للشعوب الأصلية لتوظيف مستشارين قانونيين وماليين وتقنيين خارجيين، وتوفير الموارد المالية والبشرية للتغلب على حواجز البنية التحتية التي تعوق وصول الشعوب الأصلية التي تعيش في المناطق النائية.

- تحسين الشمول الجنساني بزيادة تمويل القيادات النسائية من السكان الأصليين ومنظماتها وتعزيز مشاركة نساء الشعوب الأصلية ومنظماتهن قبل اتخاذ قرارات التمويل ومواصلة مشاركتهن طوال دورة حياة المشروع.

- زيادة تمثيل الشعوب الأصلية في المؤسسات المالية، وإشراك ممثلين عن الشعوب الأصلية في إدارة مرفق البيئة العالمية والصندوق الإطاري العالمي للتنوع البيولوجي.


 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية